ثقافة الأختلاف , واخلاقياته د/ سلمان العـودة

0
ثقافة الأختلاف , اخلاقياته , التعامل مع وجهات النظر , الدكنور سلمان بن فهد العودة.
استعمال الصبر والرفق والمداراة، واحتمال الأذى ومقابلة السيئة بالحسنة.
كما أمر الله تبارك وتعالى بذلك في غير ما موضع من كتابه، حيث قال جل وعلا: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) [فصلت:34].
وبهذا استمال النبيُّ  محمد صلى الله عليه وسلم قلوبَ أعدائه، وعالج قسوتها وشِماسَها ونِفارَها، حتى لانت وانقادت وقبلت الحق.
إن الكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة الصافية، والإحسان إلى الآخرين بالقول والفعل من أسباب زوال العداوة وتقارب القلوب، قال تعالى: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) [فصلت:35].
ولما قعد أبو حنيفة للتدريس، قال فيه مساور الوَرَّاق:
كُنَّا مِنَ الدِّينِ قَبْلَ اليَومِ فِي سَعَةٍ ...  حَتَّى بُلِينَا بِأَصْحَابِ الْمَقَايِيسِ
قَومٌ إِذَا اجْتَمَعُوا صاحوا كأنهم...  ثَعَالِبٌ ضَبَحَتْ بَيْنَ النَّوَاوِيسِ
فبلغ ذلك أبا حنيفة فبعث إليه بمال، فقال مُساور حين قبض المال:

إِذَا مَا النَّاسُ يَوْمًا قَايَسُونَا... بِآبِدَةٍ مِنَ الفُتْيَا طَرِيفَهْ
أَتَيْنَاهُمْ بِمِقْيَاسٍ صَحِيحٍ...  مُصِيبٍ مِنْ طراز أَبِي حَنِيفَهْ
إِذَا سَمِعَ الفَقِيهُ بِهَا وَعَاهَا... وَأَثبتهَا بِحِبْرٍ فِي صَحِيفَهْ
ومن أسباب زوال العداوة وتقارب القلوب: ألا تكثر العتاب والمحاسبة، وتجعل مناط التواصل مع الآخرين هو الاختلاف والنقد، فكلما رآك أخوك أو وجد منك رسالة أو اتصالًا هاتفيًّا عرف أنك اتصلتَ لتعاتب أو تنتقد أو تعيب، ولو أن والدًا كان كثير اللوم والاستدراك على أولاده؛ لأفسد شخصياتهم، ودمَّر ثقتهم، وحملهم على الاعتزال والخمول.
وقد بوَّب البخاري في «صحيحه»: «باب مَن لم يواجه الناس بالعتاب». وذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: صنع النبيُّ صلى الله عليه وسلم شيئًا، فرخَّص فيه، فتنزَّه عنه قوم، فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فخطب، فحمد الله، ثم قال: «ما بالُ أقوام يتنزَّهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمُهم بالله وأشدُّهم له خشية».
وحديث الرجل الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: «ائذنوا له بئس أخو العَشِيرة، أو ابن العَشِيرة». ولما دخل أدناه وأقعده على وسادته، ثم قال لعائشة تعليلًا لما صنع: «إن من شَرِّ الناسِ مَن تركه الناسُ -أو وَدَعَه الناسُ- اتقاءَ فُحْشه».
وإن مما يؤلِّف القلوب ويزيل العداوة عدم الانتقام والتشفي والانتصار للنفس.
4- عدم التعصب:
سواء كان التعصب للمذهب أو الطريقة أو الشيخ، أو الجماعة أو الطائفة أو الحزب؛ ولهذا قيل: «حُبُّكَ الشيءَ يُعْمِي ويُصِمُّ».
إن المتعصِّب أعمى لا يعرف أعلى الوادي من أسفله، ولا يستطيع أن يميِّز الحق من الباطل، وقد يتحوَّل المتعصِّب بالحرارة نفسها والقوة نفسها من محب إلى مبغض.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه -ويُروى مرفوعًا، والموقوف أصح-: «أَحْبِبْ حبيبَك هَوْنًا ما؛ عسى أن يكون بَغِيْضَكَ يومًا ما، وأَبْغِضْ بَغِيْضَكَ هَوْنًا ما؛ عسى أن يكون حَبِيْبَكَ يومًا ما».
وجاء عن محمد بن يحيى النيسابوري أنه أخذه الحزن على الإمام أحمد لما مات في بغداد؛ فقال: «ينبغي لكل أهل دار ببغداد أن يُقيموا عليه النياحة في دورهم». فقال الذهبيُّ: «تكلَّم الذُّهلي بمقتضى الحزن، لا بمقتضى الشرع». وإلا فإن النياحة منهيٌّ عنها في الشريعة.
وكان بعضهم في خُراسان يظنون أن الإمام أحمد من الملائكة، وليس من البشر.
وقال آخر: «نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة). قال الذهبيُّ: «هذا غلوٌّ لا ينبغي».
لقد كان الإمام أحمد رجلًا متواضعًا، بعيدًا عن التكلُّف، ولكنَّ هذه المقالات تخرج لسبب أو لآخر، إما بمقتضى الحزن، أو ردًّا على شماتة شامت، وهي بكل حال أقوال مرذولة ينبغي اطِّراحها وإنكارها، كما فعل الذهبيُّ وغيره.
وقال محمد بن مصعب: «لسوط ضُرِبَه أحمد بن حنبل في الله أكبر من أيام بشر بن الحارث». فقال الذهبي: «بشر عظيم القدر كأحمد، ولا ندري وزن الأعمال، إنما الله يعلم بذلك».
موقع الشيخ الدكتور/سلمان بن فهد العودة





منتديات يامال الشام كل العرب

  


                 





جميع الحقوق محفوظه © أيديا زيد | فكرة سريعة

تصميم الورشه