(السياسية): السياسة في الاسلام , سياسة أم إستبداد

2

سياسة :الإسلام والاستبداد السياسي محمد الغزالي

وذلك من أقوى الدعائم التي وطد الإسلام بها الحريات وأقر العدالة وحسم لوثات المستبدين, إن الغاشم ربما لا تردعه العقوبة المرجأة في الآخرة , وربما لا تصده الزواجر و الحدود التي يقيمها القانون , ولكنه ينقمع ويتردد إذا أدرك أن ضحيته عزيزة المنال, وأنه دون الافتيات عليها قد يهلك هو نفسه,أو تهلك رجال و رجال, و من ثم شرع الإسلام مبدأ التناصر بين بنييه , فإذا رأيت رجلا وقع في حرج و أوشك أن يهوى أو يصاب فحق عليك أن تهرع لنجدته, وأن تسارع لمعونته وأن تشعره بأنه لن يكافح جور المعتدين وحده بل إنك إلى جانبه تشاطره الحلو و المر حتى ينتصف لنفسه ويخرج من ورطته موفور المال والعرض والدم والكرامة والإباء, تلك هي سنة الإسلام..
لا يجوز أبدا أن يبقى المظلوم فريدا يلتفت إلى الأعوان فلا يلقى صريخا,و أمر الله الواضح و إرشاد رسوله البين أن جماعة المسلمين مسئولة عن حماية الحق بعملها وتأييدها كما هي مسئولة عن حمايته بالقول والبيان, ’المسلم أخو المسلم لا يظلمه, ولا يخذله‘
وعبارة النبي صلى الله عليه وسلم في التعريف بمبدأ التناصر تستوقف النظر طويلا.
فهويقول:‘انصر أخاك ظالما أو مظلوما ’
فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما, أفرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟
قال:’تحجزه أو تمنعه من الظلم, فإن ذلك نصره‘. كان من الممكن أن يندفع هذا الإيهام ابتداء بصوغ المعنى في عبارة أخرى,انصر أخاك مظلوما وانصحه ظالما مثلا.. بيد أن أى تعبير آخر سيفوت حتما ما يقصد النبي إلى توكيده من معنى التناصر الكامل, وإفهام كل مسلم أنه ملزم بمظاهرة أخيه وشد أزره, فإن كان مظلوما قاتل معه جنبا إلى جنب, وهذا انتصار له, وإن كان ظالما لم يدعه يلقى عاقبة عدوانه من قصاص, وإساءة بل جنبه هذا الهوان!! فمنعه من أسبابه!! وهو في كلتا الحالتين قد أعز المظلوم كأخ فلم يدعه يذل, وأرشد الظالم كأخ فلم يدعه يضل, وحفظ لهما جميعا ما ينبغي من تأييد و نصرة, وأذهب عنهما ما يكرهه الإسلام لكل مسلم من مشاعر العزلة و الوحشة و الضعة.. احتاط الإسلام لضمان الحقوق الخاصة و العامة بتقرير ثلاثة مبادئ يكمل بعضها بعضا:
1ـ كف يد الظالم
2ـ استنهاض المظلوم ليدفع عن نفسه
3ـ مطالبة الغير بالتدخل لصد العدوان ورفع الغبن,
وليس يتصور فرض آخر يضم إلى هذه المبادئ حتى يتم تأديب الأقوياء وتدعيم الضعفاء, ولو جمعنا هذه الأطراف في بلادنا ما شكونا حيفا, ولو تواصى أهل الأرض بهذه المبادئ ما قامت ثورة ولا سفكت قطرة دم’ ولو أنصف الناس لاستراح القاضى.!! ولكن الذي حدث من أجيال أن الظلم وقع, وأن المظلوم رضخ له, وأن الآخرين نفضوا أيديهم من النصرة والنصيحة فسارت القافلة سيرها الأعمى على غير هدى, وإنى أمد بصرى اليوم في بعض بلاد الإسلام أو في كثير منها فأرى هذا السوء المضاعف, أسمع عواء الذئاب البشمة من لحوم الضحايا, وأنينا خافئا للمظلومين المأكولين,وتعليقا محايدا للجبناء الذين نجوا بجلودهم من المخالب الباطشة!!.
ولولا أن الله يتبع الدنيا بقوم لهم فطر سليمة وأفكار مستقيمة يحاربون الظالمين , ويستثيرون المظلومين, ويؤلبون القريب و البعيد لإحقاق الحق وإبطال الباطل, لولا ذلك لمادت الأرض وهلك الحرث والنسل, وحارب الإسلام الظلم,روى النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك اسمه:‘ يا عبادى إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما‘ فلا تظالموا.. ’
وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :‘ صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتى : ’ إمام ظلوم غشوم, وكل غال مارق’ .
وقال:‘ الظلم ظلمات يوم القيامة‘. فإذا وقع على امرئ ظلم فهل يسلم به ويستكين له؟
أم يقاتل دون حقه و يثأر لنفسه؟
يقول الله تعالى:‘ فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ‘ثم سرد أولئك الذين يستحقون الخير الباقى عند الله , فعد فيهم:
‘والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله ’ , ’إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ‘.والآيات وإن استحبت العفو إلا أنها لم تندب إليه إلا بعد ثبوت الحق لصاحبه, فيجب أن يعرف المخطئ جريرته , ويجب أن يعترف بأنه أهل للعقوبة , ويجب أن يدرك المظلوم بأنه يستطيع الثأر لنفسه, وأنه إذا نزل عن حقه فسماحة مشكورة وتطول بالفضل. والواقع أنه لا يجرح الإنسان كأن يرى مهدرا لا وزن له , أما إذا أقر له بحقه ثم سئل النزول عنه فقلما يتمسك به, وهذه جميعا انفعالات يحترمها الدين وينفخ فيها من روحه لتنمو و تقوى,والذين يشهدون المعركة بين القوى و الضعيف, هل يدعونها تنتهي حسب قوانين الغابة فلا معونة و لا نكير؟كلا كلا!
لابد من التدخل باسم الإسلام لإسعاف المستضعف ونجدته , قال النبي صلى الله عليه وسلم
: ’ ما من مسلم يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته, وينتقص فيه من عرضه, إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته , وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه , وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته ‘.
ومما يروى في تدعيم مبدأ التناصر ما حكاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه جل شأنه:
’وعزتى وجلالى لأنتقمن من الظالم في عاجله و آجله, و لأنتقمن ممن رأى مظلوما, يقدر أن ينصره فلم يفعل‘ و روى كذلك:‘أمر بعبد من عباد الله أن يُضرب في قبره مائة جلدة! فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة! فلما ارتفع عنه وأفاق! قال: علام جلدتمونى؟! قال: إنك صليت صلاة بغير طهور , ومررت على مظلوم فلم تنصره‘. وهذه الآثار تبين روح الدين فيما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الناس , وإنك لتمر الآن بالطريق فتجد شرطيا يصفع بائعا جائلا أمام جمهور ضخم من النظارة الذين يرون هذا العمل الآثم ثم يمضى أكثرهم غير آبه , ويقف الباقون ليزجوا الرجاء إلى الجندي كي يعفو و يصفح.. عن عدوانه.!! لو أن سوط الظلم إذا مس جسد مسكين تأوه له ألوف , وسرى الألم إلى جلودهم فلسعها , فبدلا من أن يصرخ للعدوان صوت فذ , تجاوبت بالوجع والغضب أصوات جمهور غفير , إذن لفكر الظالم ألف مرة ومرة قبل أن يفكر في الانفراد بمخلوق لينهشه , ولكن تقطع الأواصر , وضعف الثقة , ورقة الإيمان , جعلت كل أحد يعيش في نطاقه الخاص , ويقول معلقا على أحزان الآخرين:‘
ومالى أنا‘ ثم يجىء دوره في تجرع الكأس الذي شربه غيره قبلا, فيزدرده في صمت! ولو حدثته نفسه بالصدق لقال: إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض.. لقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة الوقوف إلى صف المظلوم حتى يندفع الضر عنه فقال:‘ لا يقفن أحدكم موقفا يقتل فيه رجل ظلما , فإن اللعنة تنزل على كل من حضر حين لم يدفعوا عنه , ولا يقفن أحدكم موقفا يضرب فيه رجل ظلما فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه ‘.

جميع الحقوق محفوظه © أيديا زيد | فكرة سريعة

تصميم الورشه